هناك اختلاف واحد كبير يميز «هاري بوتر وسجين أزكبان» عن جزءيه السابقين. ألفونسو كوارون يأتي مخرجا بدلا من كريس كولومبوس، لكن بالإضافة إلى ذلك، هناك عدة اختلافات صغيرة عن سابقيه: الفيلم يعرض في موسم الصيف بدلا من آخر السنة، وأبطال الفيلم الصغار أصبحوا أكثر نضجا، ومايكل غامبون يأتي بديلا لريتشارد هاريس في أداء دور مدير المدرسة «دمبلدور»، لكن ما لم يتغير في هذا الجزء هو خيال جوانا رولنغ الممتع بالإضافة إلى إبهار تقني أصبح معتادا من استديو ورنر برذر مع هذه السلسلة.
إنها السنة الثالثة لهاري بوتر في مدرسة هاغورتس لتعليم السحر، ومنذ خروج هاري من بيت عمه وحتى وصوله للمدرسة والأنباء لا تنقطع عن هروب أحد أكثر المجرمين شراسة ودموية من سجن أزكبان الشهير سايرس بلاك الذي يقوم بدوره البريطاني غاري أولدمان، لكن ما هو أسوأ من ذلك بالنسبة لهاري هو ما يتردد هنا وهناك من أن سايروس بلاك يبحث عنه ليقتله كما قتل والديه من قبل.
الكاتبة البريطانية جوانا رولنغ خططت لنشر سبعة كتب، وهي بالفعل نشرت خمسة منها بينما تقوم بكتابة السادس حاليا، كل كتاب يروي قصة سنة واحدة من حياة هاري بوتر في مدرسة هاغورتس للسحر، وكل كتاب يصبح أكثر سوداوية من سابقه. وهنا يبرز ذكاء رولنغ حين تقرر أن تنضج كتبها مع نضج شخصياتها، وقرائها أيضا، شخصيات الكتاب مرتبطة كثيرا بالزمن (رولنغ وضعت تاريخا لميلاد هاري بوتر 1980، بينما تجعل أحداث كتبها تبدأ من العام 1992). وورنر براذر التي تصور الجزء الرابع (هاري بوتر وكأس النار) حاليا لعرضه العام المقبل، أعلنت رسميا عن نيتها لتصوير الجزءين الخامس والسادس وعرضهما في 2007 و2008 بالترتيب. الكتب التي جعلت مؤلفتها أغنى من الملكة اليزابيث كما يتردد أحيانا، لقيت الكثير من الاستنكار من قبل مجموعات دينية بسبب تركيزها على السحر. وأصدرت جمعية المكتبات الأميركية قائمة بأكثر مائة كتاب قوبلت بالاحتجاج في التسعينات، وجاءت سلسلة هاري بوتر في المرتبة السابعة، بينما قفزت إلى الأولى لأربعة أعوام، منذ 1999 إلى 2002. أهم ما يجعل هذا الجزء مختلفا عن سابقيه هو أنه بين يدي المكسيكي ألفونسو كوارون، والأخير صاحب سجل سينمائي مدهش في تنوعه، ما بين الهدوء والرقة في رواية الأطفال الكلاسيكية لفرانسيس برنيت «أميرة صغيرة» عام 95، إلى تحديثه لرواية شارلز ديكنز «الآمال الكبيرة» في 98، وأخيرا تلك الرحلة المتهورة والمليئة بالتجارب الجنسية في الفيلم المكسيكي «وأمك أيضا». هناك شيئان يجمعان أفلامه، أولا: معظمها يأتي من روايات شهيرة، والأمر الآخر أنها تسجل دائما نوعا من تجارب النضج بالنسبة لشخصياته الشابة. في «هاري بوتر وسجين أزكبان» نلحظ نوعا من نضج المراهقة على شخصياته هرموني صديقة هاري (ايما واتسون) تستنكر عندما تنظر إلى نفسها من الخلف (هل هكذا فعلا يبدو شعري من الخلف؟)، ثم تستنكر هي وصديق هاري الآخر رون (روبيرت غرنت) عندما يجدان يديهما متشابكتين في موقف مخيف. كوارون أيضا يعطي للفيلم منحى دراميا مقنعا فيما يتعلق بماضي هاري بوتر وعلاقته بأحداث الفيلم، على خلاف كولومبوس في الجزءين الأولين، الذي وكما في معظم أفلامه الأخرى (من أشهرها Home Alone) يعطي لشخصياته ولقصته مظهرا مزيفا، أشبه بالأفلام الكرتونية. رولنغ التي اختارت كوارون شخصيا تدرك بأن تقدم السلسلة ونضج قرائها سيحتاج إلى نضج في إدارة النسخة السينمائية أيضا، وهذا ما فعله كوارون باقتدار حين ترك أسلوب كولومبوس السريع وزوايا كاميراته العديدة لصالح أسلوب أكثر هدوءا، هذا التغيير في السلسلة يدعمه أيضا اختيار مايك نويل (بريطاني أيضا من أشهر أعماله فيلم الجريمة والمافيا من دوني براسكو) لإخراج الجزء المقبل من السلسلة. «هاري بوتر وسجين أزكابان» يعطينا دليلا آخر على خيال جوانا رولنغ الجامح، والمتنوع أيضا، هناك حس كوميدي لا يغيب عن الشاشة أو الحوارات - نتذكر هنا انتفاخ العمة وطيرانها في الهواء، والحوارات الظريفة بين صديقي هاري، رون وهرموني. وهناك أيضا إحساس بالإثارة والتشويق في مواجهة تلك المخلوقات المتوحشة التي تحرس سجن أزكابان وتطارد المجرم الهارب سايرس بلاك. حبكة الفيلم وبالذات في ثلثه الأخير تزداد تعقيدا (مرة أخرى رولنغ مدركة لتقدم قرائها). في ما عدا ذلك، الفيلم يحافظ على طابع عام ميز السلسلة منذ بدايتها: طابع سوداوي من خلال المشاهد الليلية الكثيرة (حتى المشاهد النهارية تصور بمرشحات لتخفيف الألوان الفاتحة)، عالم سحرة مستقل ينظر باحتقار إلى «العامة»، طاقم مساعد جيد (من خلال غاري أولدمان وايما ثومبسون بدور ظريف سيعجب متابعيها)، لحن جون ويليامز الأساسي الذي يسمع بين حين وآخر، أكثر من 240 مليون دولار في أميركا الشمالية بالإضافة إلى أكبر افتتاحية في تاريخ شباك التذاكر البريطاني، وأخيرا مؤثرات بصرية رائعة استغرق العمل عليها ستة أشهر، صنعت من عالم هاري بوتر شيئا ممتعا وحقيقيا ومحسوسا.